أُم الشهيد في عرين الأسود

أُم الشهيد في عرين الأسود

أكتب إلى تلك المرأة الصابرة المرابطة في أرض البركة و الرباط و قد جربت الشعور وعرفت نفسي كيف تفقد الولد، لقد مَنَّ الله عليَّ بخمسة أبناء أحسبُهم أعز علي من نفسي و كان حجم الأسى والحزن لفقدان ولدي قاسم قبل 14 عاماً لا يساويه حزن في حياتي.

كان شعوري أن شئ مني قد مات … روح كانت تسكن معي غادرتني الى الأبد، كنت أشعر به تحت التراب و أصحو من النوم و أظنه مكانه لم يغادره.

كانت غرفته، مقتنياته، كتبه، دفاتره، كل تفاصيل حياته و وجوده معنا لا يزال يطوف حولنا وفي كل لحظة.

بعد وفاته بشهور عندما أيقنت حقاً أنه لن يعود، قررت أن استودعه الذي وهبه لي و تصدقت بكل شيئ تركه عن روحه.

أحمد الله على نعمة الإيمان و اليقين بأن الله يمحص و يبتلي من يشاء من عباده ليميز الخبيث من الطيب و الصابر من المتمرد و الراضي بقدره من الساخط.

منذ رحيله وحتى الساعة لا يكاد يغيب عن ذهني و أعيش حياتي و أيامي معه وهو في دار الحق وأنا في الحياة الدنيا أتجرع الأسى و الكسرة و الحسرة التي سببها لي ألم الذل و الهوان و الانبطاح والضعف الذي أعمى الابصار و البصائر بسبب ما يفعله الصهاينة في أارضي ورأيت أن ألم الذل أسوء من ألم الفقدان .

والآن أرى في أُمهات الشهداء عزَّة و نصر و إباء، تركوا في نفسي غبطة ماذا لو استشهد ولدي هناك في العرين وحملت جسده الطاهر على كتفي، ألم يكن خيراً لي وله من موته في حادث سير تسبب به من عميت بصيرته و بصره معاً.

هنيئاً لك ايتها الطاهرة الصابرة و المرابطة على أرض الشهداء و الأنبياء، حماكِ الله و حمى ما تبقى لك من أبناء و حفظكم أسياداً للارض و نوراً يضيئ الظلام لمن أراد الهداية .

لن تتوقف أُمهات بيت المقدس و أكنافه في كل مكان حوله من إعداد الرجال الذين سيحمون الوطن وسيعبدون طريق التحرير، ففي قاموس سيداتنا ستبقى أرحامنا ولادة للأبطال وسنقيم سهرات الحنة بالإعراس وسنبقى على طريق التحرير و المجد باقون ما بقي الزعتر و الزيتون.

سيشرق فجر نابلس و الخليل وحيفا وعكا و القدس وسيزهر الليمون .

وأخيراً تحية إجلال و إكبار لسيدات الأرض أمهات الشهداء .

د. زينب ابو عيشة

٢٤/ ٢ / ٢٠٢٣