منير شفيق بين النضال والثورة

منير شفيق بين النضال والثورة

حوار/ وفاء بهاني

فلسطين بالنسبة له كانت ولا تزال هي الأيديولوجيا، وهي المعيار الذي يبدأ بالتنظيم الكفاحي وينتهي بالتحرير، هذه هي قناعته التي ولدت أفكاراً من الواقع الفلسطيني والتجربة الشخصية، للمفكر العربي الفلسطيني، والقامة الوطنية، الكبيرة منير شفيق ابن مدينة القدس، الذي ولد في غمرة أحداث ثورة الشيخ المجاهد عز الدين القسام ضد الانتداب البريطاني عام 1936، ونشأ في بيئة وطنية مثقفة منفتحة على كل الأيديولوجيات والأفكار لطالما وهي تعتز بعروبتها وتراثها الحضاري على المستوى الوطني والقومي والإنساني.

لخّص شفيق حياته في كتاب من جمر إلى جمر الذي يروي فيه تجربته النضالية في مقاربة للوضع السياسي، رافق كل مسيرته وكان محوره فلسطين وحشد كل الطاقات من أجل تحريرها مؤمناً بالمقاومة المسلحة السبيل الوحيد لهزيمة المشروع الصهيوني الغربي وتحريرها.

وعند سؤاله عن الفرق بين الماضي والحاضروالسبب في التغييرات في العمل النضالي أجاب:

"إن ميزان القوى العالمي والإقليمي والعربي كله ضد الشعب الفلسطيني، غير أن الشعب الفلسطيني شعب مناضل ومضحي وهو يقاوم المشروع الصهيوني الاستعماري الغربي في المنطقة رغم الاختلال في ميزان القوى، وهذا بدى واضحاً في المسيرة النضالية لهذا الشعب منذ النكبة والمراحل التي مر بها، من انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 ومارافقها من عمل نضالي مسلح إلى انتفاضات شعبنا أيضاً قبل النكبة، هبّة البراق، ثم ثورة الشيخ عز الدين القسام عام 1936، مروراً بمراحل النضال في سبعينات القرن الماضي وليس انتهاءً بانتفاضتي الحجارة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام الفين وواحد".

شفيق تراه يعطي الأمل بالنصر رغم اللوحة التي رآها البعض سوداوية في ظل اختلال موازين القوى وما تمر به القضية من تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي فيقول: "إن وضع القضية الفلسطينية في هذه المرحلة هو أفضل من الوضع الناشئ منذ مئة عام، لأن الشعب الفلسطيني يخوض نضاله داخل فلسطين ، في المقابل يعاني الغرب والولايات المتحدة من ضعف أدخل الاحتلال الإسرائيلي في شيخوخة، وهذه المعادلة ستنعكس على الواقع النضالي للفلسطينيين بشكل إيجابي".

هل الجمر مازال جمراً لدى منير شفيق؟

يشير شفيق بلهجته المقدسية إلى أن "كثير من الناس ببدأوا ثوريين، بس بفتشوا على الراحة، بفتشوا إما على مستقبلهم، على حياتهم، مرات يروحوا على الجهات الثانية، بنقلوا البندقية من الكتف إلى الكتف، يعني في صحفيين كثير بارزين تخلوا عن كل الأفكار الي كانوا فيها وبدأوا فيها، وصاروا يشتغلوا مع الدول ويحصدوا".

 ويتابع: "أنا كنت أتقلب من حالة فيها جمر إلى حالة جمرها أشد، يعني لما تركت الحزب الشيوعي كان الشيوعي ينحكم عشر سنين أو خمسة عشر سنة لإنه انمسك معه نشرة أو... إلى آخره، ولما انقلبت إلى المرحلة الناصرية (مرحلة عبد الناصر)، واجهت أزمة كبيرة، وبعدين رحت على فتح؛ إذا كان هذاك جمر كان جمر السجون صرنا هون في جمر القتل والجرحى والتشريد؛ أنا صحيح تقلبت بس تقلبت من جمر إلى جمر من مرحلة إلى مرحلة أصعب من ناحية التضحيات ومن ناحية الصعوبات".  

وفي حديثه حول معاناة اللاجئين الفلسطينيين أوضح شفيق أنهم ما زالوا متمسكين بحق العودة، رغم أن بعضهم هاجر إلى أوروبا ويعمل هناك من أجل وطنه ضمن فعاليات وطنية، وكذلك الصعوبات التي تمر بها الأجيال في قطاع غزة من حصار امتد لخمسة عشر عاماً وهو الجيل الذي يناضل في القطاع ويواجه ظروفاً أصعب من الظروف التي واجهها الشعبي الفلسطيني عام 1982.  

يسترسل شفيق في الحديث ثم يعود إلى بداياته في العمل الوطني، وهو يتنقل بين الماضي والحاضر فيقول إنه عندما التحق بحركة فتح في مرحلة المقاومة نسي كل ما قبلها من انتماءات أيديولوجية، واعتبر أن تجربته في السجن بتوزيع النشرات والعمل السياسي والخُطب كانت مختلفة، لأنه حاول أن يعيد نفسه للتأقلم مع الوضع الجديد.

ويتذكر شفيق أن مرحلة أوائل الخمسينات بدأت تُبلور الوعي السياسي لدى الكثير، بأن بريطانيا ليست وراء كل مايجري إنما أيضاً الولايات المتحدة الأميركية كان لها دور في دعم الاحتلال الإسرائيلي بأسباب القوة والاستمرار، وأصبح ضعف أمريكا يعني ضعف "إسرائيل" واقترابها من النهاية.

وأشار إلى المرحلة التي تقودها أحزاب وتيارات إسلامية، والتي شكّلت انتقالاً من الأيديولوجيا اليسارية الشيوعية إلى مرحلة مختلفة من العمل الإسلامي، موضحاً أنه دفع ثمناً كبيراً في تلك المرحلة.

وختم شفيق بقوله: "مع بروز الانتفاضة الأولى والثانية برزت حركتي حماس والجهاد وبرز أيضاً حزب الله والمقاومة، ولاقوا تعاطفاً كبيراً نظراً للإنجازات التي تحققت، ما قلب الصورة النمطية لدى العلمانيين الذين كانوا يرددون في النقاش "انت جاي تاخذنا لقبل 1400 سنة مابدنا هاي الرجعية"، نعم هكذا كانوا يفكرون في تلك المرحلة، لذلك ما اتمناه أن لا تكون هناك فجوة بين هؤلاء القوميين والعلمانيين واليساريين مع الإسلام وأن يتعاملوا معه بأهمية ويناقشوا فيه النظريات التي تستحق الاحترام.