الأبعاد الوطنية لتجربة الفلسطينيين في الكويت مشهد من تجربة خاصة

الأبعاد الوطنية لتجربة الفلسطينيين في الكويت مشهد من تجربة خاصة

استوقفني تعليق كريم على صفحتي الشخصية على الفيس البوك من أخت عزيزة فاضلة تنتمي لعائلة كريمة كنا جيرانا منذ الطفولة في أواخر الستينيات وامتداد سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في منطقة حولي في دولة الكويت، وقد استدعى ذلك التعليق عندي تاريخا لا يُمحى في الذاكرة، وهو يعيش في وجداني وأعتقد أنه وصف الحال للضمير الجمعي لعموم المجتمع الفلسطيني في الكويت الذي عاش تلك الحقبة.

وأرى أن تلك التجربة – تجربة فلسطينيو الكويت - لم تأخذ حقها من التوثيق والدراسة وإبراز القيمة الاستراتيجية التي أثْرَت المسار الكفاحي للقضية وخدمت ديمومتها، فالجوانب عديدة وشاملة التي من الضروري طرقها لتغطية تلك الحقبة وأثرها في التاريخ الفلسطيني بل والحاضر وتساهم في رسم المستقبل على حد سواء…

لعلي أتوقف في هذه الكلمات الموجزة عند جزء من المسار الإجتماعي لتلك التجربة وهو اندماج مختلف أبناء الشعب الفلسطيني المهجرين من عموم فلسطين التاريخية ليجدوا أنفسهم كالعائلة الكبيرة الواحدة في داخل عمارات سكنية امتدت حياتهم فيها لسنوات عديدة، وهذا ما كان ليحدث بذلك المستوى التفاعلي والتعرف على الذات بدون هذا التداخل الإيجابي.

واسترسالا بالوصف كمثال لتجربة شخصية فقد كانت العمارة التي سكنتها عائلتي مكونة من ثمان شقق، تعلو فوق الارض بطابقين لغرفتي نوم وصالة للشقة الواحدة (معدل ١٦ متر مربع للغرفة الواحدة) مع مطبخ وحمام واحد (أجلّكم الله)، بمساحة إجمالية للعمارة داخل سورها لا تصل نصف دونم والبناء على أرض ٢٠٠ متر ، إلا أنه اجتمع على مدار أكثر من عقدين من الزمان في "عمارة حولي" مجتمع فلسطيني خالص زاد عن الـ ٧٠ فردا منحدرين من عموم فلسطين سواء من ناحية الزوج أو الزوجة موزعين على مدن نابلس(حوّارة) ويافا(سَلَمة) والقدس (المالحة) وبيت لحم(حرملة- عرب التعامرة) والخليل(بني نعيم) والرملة، وكان تلاقي وانصهار شعبنا في بوتقة اجتماعية بهوية فلسطينية جامعة بين أبناء عشائر البادية والفلاحين وأهل المدينة حتى شكلوا كينونة وطنية واحدة دامت في الإخاء والمودة والمحبة لعقود وما تزال لغاية هذه الأيام.

وأضيف بما هو ذو قيمة فقد جمعت هذه الشقق المتراصة المتلاصقة الأجيال المتعاقبة من جيل الأجداد والأباء والأبناء والأحفاد . الذين عاشوا أفراح بعضهم وأتراحهم وعاشوا بألم واحد فقدان ركن من أركان احدى الشقق تباعا بين جدٍّ وجَدّة وأب وأم وإبن على حد سواء، وكذا عاشوا سويا المناسبات الدينية والوطنية، وواكبوا التطورات على أبنائهم وبناتهم في مراحل حياتهم المختلفة الدراسية والمعيشية وكان ذلك بأجواء محافظة لا تمس الإحترام المفروض لكامل العادات والتقاليد وتعاليم الدين.

إذا ما أضفنا لذلك النواحي التعليمية، فقد عاش التلاميذ في عمارة حولي في مدراس الأغلبية الساحقة من تلاميذها من الفلسطينيين، حتى ان الإدارة لبعض هذه المدراس كانت تتبع لمنظمة التحرير الفلسطينية وبقيت حتى منتصف السبعينات على هذا النحو وكنت من تلاميذ تلك الحقبة، وما زلت أحتفظ بشهادات الدراسة من أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات الصادرة عن دائرة التعليم في المنظمة.

بمعنى سمحت تجربة الكويت فلسطينيا أن يكون هناك مجتمعا فلسطينيا خالصا اجتماعيا وتعليميا بما يستحق الثناء لدولة الكويت على هذا الاحتضان الذي صبغ حياة ومستقبل أجيال فلسطينية متعاقبة.

ويُعزى لهذه التجربة المخزون الوطني للآلاف من فلسطينيي الكويت لغاية هذه الأيام مما نعتقد أنه سيكون عاملا من العوامل العديدة لاستعادة حقوقنا باذن الله.

وللحديث بقية..

وإنّنا للعودة أقرب.