الأسرى الفلسطينيون .. معاناة طويلة يحدوها الأمل بصفقة جديدة
تمتد قضية الأسرى الفلسطينيين منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين إلى هذا اليوم، ومنذ عام 1948م مرّ على السجون الصهيونية عشرات الآلاف من الفلسطينيين والعرب، فمنهم من قضى حكمًا قصيرًا وخرج، ومنهم من يحكم الاحتلال عليهم بسنوات معدودة، ومنهم من حكمهم الاحتلال عليه بما يسمى "المؤبد" وهو أن يقضي الأسير ما تبقى من عمره في السجن، إضافة إلى من يحكمهم الاحتلال بالسجن "الإداري" وهو السجن مدة 6 أشهر دون تهمة أو محاكمة يتم تجديدها.
ويعتقل الاحتلال الفلسطينيين على قضايا يسميها "أمنيّة"، وتعدّ قضية الأسرى من أهم القضايا في فلسطين لما يعانيه الأسرى وذووهم من انتهاكات يمارسها الاحتلال الصهيوني بحقهم؛ ومن خلال هذا التقرير نسلط الضوء على تفاصيل هذه القضية.
المختص بالشأن الفلسطيني والمدير السابق لمكتب إعلام الأسرى "عبد الرحمن شديد"، قال خلال حديثه لموقع "فلسطينيو الخارج": "إن ما يقارب مليون حالة اعتقال تعرض لها الفلسطينيون ما بين أطفال ونساء ورجال وشيوخ منذ عام 1967".
وحول آخر الإحصائيات لأعداد الأسرى في سجون الاحتلال، ذكر شديد أنه في الوقت الحالي يوجد 5000 أسير موزعين على ما يقارب عشرين سجنًا ومركز توقيف وتحقيق، منهم 180 طفلا و42 أسيرة.
وأضاف أن هناك 450 معتقلًا إداريًا تقريبًا، معرّفًا الأسرى الإداريين بأنهم "الذين يقبعون في السجن دون أن توجه لهم أي تهمة ولا أي محاكمة مدة ستة أشهر ويتم تمديدها"، وأيضاً 6 نوّاب من المجلس التشريعي الفلسطيني ذكر أنهم معتقلون في سجون الاحتلال، مشيراً إلى أن آخرهم كان النائب محمد أبو طير الذي اعتقل قبل عدة أيام.
وأكد شديد على أن أوضاع السجون في هذه الفترة تشهد حالة من الغليان والتوتر وذلك بسبب ما يتعرض له العالم من "فايروس كورونا" المستجد من جانب، وتعامل المحتل الصهيوني مع الأسرى الفلسطينيين من جانب آخر، موضحاً أن الاحتلال الصهيوني "يطارد الأسير الفلسطيني في أدق تفاصيل حياته من خلال جملة الإجراءات التعسّفيّة والقمعيّة داخل السجن."
الأسرى وفايروس كورونا
أفاد شديد أنّ الأسرى ومنذ بداية انتشار فايروس كورونا يحذّرون من وصوله إلى داخل السجون مع تخوفهم الشديد من ذلك، مبيّناً أن أحد الأسرى الذين تم الإفراج عنهم مؤخراً وهو الأسير المحرر نور الدين صرصور كان مصاباً بالفايروس، وعلى الرغم من إجراء مصلحة السجون الفحوصات له إلا أنها لم تخبره بأنه مصاب وتركته يختلط ببقية الأسرى قبل الإفراج عنه.
وقال إن هذا الفايروس إذا وصل إلى داخل السجون فإنه سيصل من خلال ضباط وشرطة السجن وتنقّل الأسرى عبر المحاكم، مشيراً إلى أن الأسرى طالبوا باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع وصول هذا الفايروس إليهم.
وفي سياق متصل كشف شديد أن مصلحة سجون الاحتلال استغلت انتشار هذا الفايروس وشددت الإجراءات على الأسرى وذلك بمصادرة 150 صنف مشتريات من "الكانتينا" (مكان بيع البضائع في السجن) ومن أبرز الأصناف التي صادرتها كانت منظفات؛ الأسرى بحاجة لها، إضافة إلى أنها منعت زيارات الأهالي للأسرى بحجة الوقاية الصحية دون أن توفر البديل وهو إتاحة الفرصة للأسرى بالتواصل مع أهاليهم بالاتصال الهاتفي.
كما وصف الاحتلال باللاإنساني وغير الأخلاقي قائلاً: "الاحتلال ضرب بعرض الحائط كل المناشدات التي وجّهت له من أجل الإفراج عن الأسرى على الأقل المرضى وكبار السن والنساء والأطفال منهم، بل ويفعل العكس من ذلك، فمنذ شهر ونصف تقريباً وهو يشنّ حملات اعتقال كان آخرها اعتقال النائب محمد أبو طير، ويقوم بحملات تمديد غير مسبوقة للمعتقلين الإداريين".
وفيما يتعلق بتعامل الاحتلال الصهيوني مع الأسرى وما إن كان يفرّق بين أسير أو أسيرة وبين طفل أو شيخ أو مريض أو غير ذلك من الأسرى، فقد أكد شديد على أن الاحتلال لديه قوانين في التعامل مع الأسرى، لكنها كلها تجتمع على "قهر الأسير" كما قال، وبيّن أنه إن كان هناك فروقات فهي بسيطة جداً تتمثل في أنه عند تفتيش أقسام الأسيرات وأثناء عمليات العدّ التي يتم فيها عدّ الأسرى تدخل الشرطيات الإناث لتنفيذ تلك العمليات.
وتابع قائلاً: "لا يوجد فروق حقيقيّة، الكل تحت قهر السجن والسجّان وتحت ظلمهم، ولو كان هناك تفرقة حقيقية وجوهرية لما بقي هناك أي أسير من النساء أو الأطفال أو الشيوخ أو المرضى على الأقل كفئة يُنظر إليها من الزاوية الإنسانية والأخلاقية بشكل واضح في العالم كله، لكن الاحتلال يواصل اعتقال النساء والأطفال وحتى الكبيرات في السنّ مثل الأسيرة وفاء المهداوي والدة الشهيد أشرف نعالوة التي اعتقلت لمدة 18 شهرًا فقط لأن ابنها نفّذ عملية بطولية".
الانتهاكات بحق الأسرى
وحول أبرز الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال بحقّ الأسرى عدّد شديد مجموعةً من أصناف التعذيب التي يعذَّب بها الأسرى في السجون، وهي تبدأ بتعرض الأسير للضرب ميدانياً خلال نقله بالسيارة إلى السجن ثم يبدأ بمرحلة التعذيب النفسي والجسدي عند دخوله مراكز التحقيق لانتزاع الاعترافات منه، ويتمثل ذلك التعذيب بالشبح على كرسي صغير جداً مصنوع من الحديد، ثم منع الأسير من النوم لأيام طويلة، ومن أصعب أنواع التعذيب أيضاً التي عدّدها هو عندما يتم إحضار والدة الأسير أو زوجته للأسر في محاولة لقهره وإجباره على الاعتراف، إضافة إلى الطعام السيء الذي يقدمه الاحتلال للأسرى.
وأيضاً بعد انتقال الأسير من مرحلة التحقيق إلى مرحلة السجن، وهي المرحلة التي يمارس فيها الاحتلال أشد أنواع التعذيب والانتهاكات بحق الأسرى، ومن أبرزها العزل الانفرادي الذي يتعرض له الأسير عندما يخالف بعض قوانين السجن من وجهة نظر السجان يتم وضعه في زنزانة انفرادية لا يتعدى حجمها "المترين في متر" لفترات طويلة جداً، إضافة إلى الإهمال الطبي كأبرز أشكال التعذيب في سجون الاحتلال.
وفي حديثه حول الإهمال الطبي الذي يتعرض له الأسرى داخل السجون، ذكر أن هناك 700 أسير مريض، ولدى مصلحة السجون سياسة واضحة في التعامل معهم وهي سياسة الإهمال من خلال ترك الأسير على سرير المرض لفترة طويلة من "المماطلة" في علاجه حتى يصبح المرض لديه في مرحلة اللاعودة ويتفاقم المرض لديه، وأوضح أن من الأسرى من توفي وهو على "سرير الإهمال الطبي"، ومنهم حالات سرطان، وحالات تم استئصال أجزاء من أجسادهم بسبب الإهمال، مبيّناً أن مصلحة السجون تعيّش المرضى على المسكّنات وتحرمهم من العلاج اللازم.
يوم الأسير الفلسطيني
"يوم الأسير الفلسطيني ليس يوماً لكي يحتفل فيه الأسرى داخل السجون، هو يوم ينظر فيه الأسير الفلسطيني من داخل السجن إلى شعبه وأمته والعالم أجمع، ماذا يفعل هذا العالم تجاه قضية الأسرى، كيف سينصرون قضيتهم" هكذا عرّف المختص بالشأن الفلسطيني والمدير السابق لمكتب إعلام الأسرى عبد الرحمن شديد يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف ال 17/من نيسان من كل عام.
وصرّح شديد بأن الأسرى منزعجون من تعامل العالم تجاه قضيتهم وتفاعله معها، لأنهم يرون أنهم يستحقون أكثر من ذلك بكثير من الاهتمام والفاعلية.
وأكد على أن قضية الأسرى حتى الآن لم تدوّل ومساعي تدويلها ما زالت متواضعة جداً.
وتابع قائلاً: "ما دام هناك أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال؛ فإن الشعب الفلسطيني مقصّر والأمة العربية والإسلامية مقصرة وكل العالم مقصر تجاه هذه القضية، ويجب العمل الفوري من أجل إطلاق صراح هؤلاء الأسرى".
وبيّن أن الأسرى يطالبون كل العالم الحرّ بالوقوف إلى جانبهم، وأن يتفاعل مع قضيتهم وأن يُتحدّث في قضيتهم في كل المحافل.
وأشار إلى أن هناك أسرى مضى على أسرهم أكثر من 40 عامَا مثل الأسير نائل البرغوثي ومحمود عيسى والأسير كريم يونس، ولكن لا أحد يتذكرهم، مشدّداً بذلك على أهميّة تفعيل قضية الأسرى بمزيد من الاهتمام على كافة المستويات القانونية والإنسانية والإعلامية.
وفيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى الثانية، خصوصاً في ظل الأنباء التي تتناقلها وسائل الإعلام حول وجود مفاوضات تجري بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بشأنها، أكد شديد، أن موضوع الصفقة مازال مجمدًا من قبل الاحتلال.
وأشار شديد، إلى أنه رغم إعلان رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار عن مبادرته الإنسانية في ظل أزمة كورونا، إلا أن استجابة الاحتلال كانت تضليلية، بحيث أعلن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عن توجيه الأوامر لمسؤول هذا الملف لديه، لكي ينجز هذه المهمة، لكن تبيّن أن تصريح نتنياهو كان عبارة عن تصريح إعلامي فقط ولم يتقدم الاحتلال حتى هذه اللحظة بأي خطوة حقيقية من شأنها أن تبدأ بها المفاوضات.
وكان رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، قد أطلق مبادرة للتقدم في صفقة جزئية مقابل الإفراج عن الأسرى كبار السن والمرضى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وفق ما نقلته قناة "كان" العبرية عن مصدر في الحركة.
وأوضح شديد أنه لا جديد في هذا الملف سوى تواصل بعض الوسطاء مع حركة حماس من أجل الاستفسار عن هذه المبادرة، لافتًا إلى أن ذلك لم ينعكس نهائيًا على أي شيء جدي في هذا الأمر.
وقال شديد: إن "حكومة الاحتلال ونتنياهو تحديدًا يكذبون على شعبهم وعلى عائلات الجنود الصهاينة الأسرى".
وبحسب شديد، فإن "تصريحات نتنياهو بأنه مستعد لبدء مفاوضات لإتمام صفقة تبادل، ما زالت حتى الآن تضليلية وإعلامية تهدف إلى تحقيق بعض المكاسب السياسية على مستوى تشكيل الحكومة والأزمة السياسية التي يمرون بها".
وخلال مقابلة مع والد الأسير "مراد فهمي أبو معيلق" أحد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال وهو من غزة ويبلغ من العمر 41 سنة، ذكر والده أن ابنه اعتقل منذ 19 عامًا عندما كان عمره 22 سنة ويقبع الآن في سجن النقب في ظروف صحيّة صعبة، حيث يعاني من فايروس في الأمعاء يؤدي إلى فقدان الشهية وعدم الإخراج.
وأشار والد الأسير أبو معيلق لـ فلسطينيو الخارج، إلى أنه تم إجراء 10 عمليات جراحية لكنها غير كاملة، مبيّناً أن ابنه بحاجة لاستئصال 3سنتيمتر من أمعائه لكي يشفى من مرضه لكن مستشفيات السجون استأصلت من أمعائه ما يقارب 160سم بعيدًا عن مكان المرض كأسلوب متعمد في تعذيب الأسير المريض والمماطلة في علاجه.
وأكد على أن مصلحة السجون تتعامل مع ابنهم المريض كأي أسير آخر، فهي تمارس بحقه أساليب التعذيب كافّة دون الاهتمام بوضعه الصحي السيء.
كما ذكر أنهم محرومون من زيارته منذ ثماني سنوات.
ووجه رسالة للمقاومة الفلسطينية طالب فيها بالتمسك بالأسرى وقضيتهم خاصة من هم مرضى وكبار سن والأسيرات منهم والعمل على الإفراج عنهم.
حملة "لستم وحدكم كلنا معكم"
من جانبه أطلق المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج حملة إعلامية للتضامن مع الأسرى في يوم الأسير الفلسطيني، وفي ظل تجاهل مصلحة السجون لتوفير الحماية الصحية الكافية من فايروس كورونا تحمل شعار "لستم وحدكم كلنا معكم".
وحول الحملة قالت نسرين عودة رئيسة رابطة المرأة الفلسطينية في الخارج: "واقع الأسرى مؤلم، في ظل ما يتعرضون له من شتى أنواع الأذى الجسدي والمعنوي، فهناك أكثر من ٥٠٠٠ أسير موزعين في السجون والمعتقلات في ظل ظروف صحية سيئة من الإهمال الطبي، وتعمد سياسة القتل البطيء للمرضى وعدم إجراء الفحوصات اللازمة، وعدم توفير بيئة صحية للأسرى المرضى في هذه الأجواء التي يظهر في العالم مرض كورونا المستجد، مما يعرض حياة الأسرى للخطر فكانت حملة لستم وحدكم كلنا معكم."
وبيّنت أن الحملة تهدف إلى كشف جرائم الاحتلال تجاه الأسرى وتحميلهم المسؤولية المباشرة عن حياة الأسرى، والمطالبة الفورية بتبييض السجون لحماية الأسرى مما وصفته "بالخطر الداهم".
وأفادت بأنه بعد انطلاق الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان هناك فعاليات تضامنية بإرسال رسائل مختلفة لبرلمانات أوروبية، وبلغات مختلفة، ورفع قضايا قانونية ضد الاحتلال.