"إسرائيل" تُهجّر مسيحيي فلسطين وتنهب ممتلكاتهم

لا يزال صدى صرخة السيد المسيح الأولى في الأرض المقدسة يتردد في أرض البرتقال الحزين، ففسيفساء فلسطين التي رسمت بالحب والعدل والتسامح تعاني آلام الاحتلال والطرد والإحلال، تحت وطأة وسطوة مشروع العنصرية الذي انتهى فيه مسلمو ومسيحيو فلسطين محاصرين مُهجّرين تائهين بين قسوة الحصار وآلام الغربة والبعد عن الديار.
وخلصت صحيفة "دايلي مايل" البريطانية إلى أن المسيحيين المحليين في الأرض المقدسة في مدينتي القدس وبيت لحم يطالبون بالمساعدة مع استمرار تضاؤل أعدادهم، ويواجهون التمييز والصعوبات الاقتصادية خلال مقارنتها بين مسيحيي بريطانيا الذين يتطلعون إلى عيد الميلاد على الرغم من أزمة غلاء المعيشة والفوضى التي سببتها الإضرابات، ومسيحيو القدس المحتلة الذين بدأت قصة المسيحية لديهم قبل 2000 والذين يعيشون جميع أنواع المعاناة.
الحجارة الحية .. شركاء النكبة
المسيحيون الفلسطينيون هم من أقدم الجماعات المسيحية في العالم وترتبط بعض الأسر المسيحية الفلسطينية بالنسب مع المسيحيين الأوائل، ولهذا السبب غالبًا ما يُطلق على المسيحيين الفلسطينيين اسم الحجارة الحية.
يتركز وجود المسيحيين الفلسطينيين في مدن بيت لحم والقدس والناصرة ورام الله وحيفا ويافا وبيرزيت وعدة قرى في الجليل الأعلى شمالي البلاد، ويتعرضون لمحنة حقيقية هي الهجرة المتفاقمة، التي تتجاوز بكثير معدلات الهجرة السائدة في المجتمع الفلسطيني، وأشارت تقديرات إلى أن أعداد الفلسطينيين المسيحيين تصل إلى 2.3 مليون نسمة أغلبيتهم تقيم خارج فلسطين.
والسبب الرئيس لهذا الانخفاض هو الهجرة وكانت أمريكا اللاتينية محط أنظار المهاجرين المسيحيين خاصةً من مناطق بيت لحم وبيت جالال وبيت ساحور، أما المهاجرين المسيحيين من منطقة رام الله والقدس فقد استقروا بشكل عام في الولايات المتحدة وأستراليا وكندا.
إذ يعيش اليوم نحو 45 ألف مسيحي في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، موزعين بين الضفة الغربية التي يقطنها 40 ألفا، و850 مسيحياً في قطاع غزة، ونحو 4 آلاف مسيحي في القدس، في حين تُظهربعض الإحصاءات إلى أن عدد المسيحيين من أبناء الشعب الفلسطيني في أراضي الـ48 يصل إلى 114.500 ألف نسمة.
ولم يكن مسيحيو فلسطين بمنأى عن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948، فقد تعرضوا للتشريد والتهجير والملاحقة أسوة بالمسلمين. ووفق أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية حنا عيسى، فإن من بين الفلسطينيين الذين تعرضوا للتهجير وعاشوا تجربة اللجوء نحو 50 ألفا من المسيحيين العرب، الذين كانوا يشكلون أكثر من ثلث السكان المسيحيين في فلسطين عام 1948.
وأوضح أنه بفعل الاحتلال هاجر الكثير من المسيحيين سنة 1967 إلى الأردن، وسكنوا العاصمة عمّان لتوفر فرص حياة أفضل لهم. منذ بدء الاحتلال سنة 1967 وحتى نهاية سنة 1993 هاجر ما يقارب 13 ألف مسيحي فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، منهم نحو 8 آلاف من الضفة ونحو 5 آلاف من قطاع غزة.
وبحسب عيسى أصبحت نسبة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية لا تتجاوز 1%، بعد أن كانوا يشكلون قبل نكبة عام 1948 حوالي 11.2%، حيث ان عدد المسيحيين الفلسطينيين في أستراليا أكبر منه بالقدس الشرقية، وأن عدد المسيحيين المنحدرين من مدينة رام الله في الولايات المتحدة الأميركية أكبر منه برام الله.
تضييقات وتهويد مصادرة أراضي
الاحتلال يحاول الإيهام بأنها تعامل المسيحيين بشكل أفضل، لكن المسيحيين لديهم ذات القيود في التنقل، وعليهم تخطي ذات نقاط التفتيش وتلقي ذات الإهانات.
فمسيحيو مدينة بيت لحم الذين يمثلون قرابة نصف المسيحيين الفلسطينيين يعيشون في مدينة محاطة بجدار إسمنتي يبلغ ارتفاعه 9 أمتار، فيما يكتب مسيحيو العالم ويوقعون لبيت لحم في أعياد الميلاد كمكان سعيد، إلا أن الحقيقة التي لا يعرفونها أنها "غيتو مغلق وخانق".
فعلى سبيل المثال، صادرت السلطات الإسرائيلية 11 ألف فدان من الأراضي المشجرة بالزيتون في بيت جالا لبناء مستوطنة (غيلو)، وصادرت آلاف الدونمات من الأراضي العائدة للمسيحيين لشق طريق سريع يربط المستوطنات الواقعة جنوب بيت لحم والقدس.
اعتداءات على الكنائس ورجال الدين
وبحسب "دايلي مايل"، "يتم البصق على رجال الدين وهم يقودون مواكب إلى كنيسة القيامة المقدسة، المبنية على موقع قبر يسوع الشهير، وتتعرض كنائس أخرى للهجوم من قبل مثيري الحرائق" من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ووقعت حادثة من هذا النوع، عندما بصق جنود إسرائيليون، من لواء "غفعاتي"، على رجال دين مسيحيين رفيعي المستوى، وعلى الصليب الذي يحملونه، خلال مسيرة عيد الصليب في القدس المحتلة.
وروى رجل دين رفيع من الكنيسة الأرمنية أن قوات الاحتلال "بصقوا عليه وعلى الصليب الذي يحمله"، وهو يستذكر لحظات من المسيرة الاحتفالية، والتي تحوّلت بحسب كلامه إلى "مسيرة إهانة وانفعال".
وبتاريخ 24 أبريل/نيسان 2022، عرقلت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي وصول المصلين المسيحيين إلى كنيسة القيامة للاحتفال بسبت النور لدى الطوائف المسيحية التي تسير وفق التقويم الشرقي.
المستوطنون يقتحمون الأحياء المسيحية
وأكّدت الصحيفة أن "المستوطنين قادوا عمليات الاقتحام في الحي المسيحي، والتي تجلت مؤخراً بالاستيلاء على دار ضيافة ليتل بترا، التي احتُلت بشكل غير قانوني في نيسان/ أبريل الجاري، وهي في طور التجديد وتجريدها من جميع علامات استخدامها السابق".
ويرى السياح الذين يأتون إلى القدس مؤشرات على التحديات التي يواجهها المسيحيون المحليون، وعلامات التوتر موجودة في كل مكان.
فعلى جبل صهيون، تقول الصحيفة إن "هناك كنيسة أرثوذكسية يونانية يعتقد بعض المسيحيين أنها كانت تستخدم من قبل أتباع يسوع الأوائل تحتاج إلى الحماية بواسطة القضبان والأسوار واستهدفت مراراً وتكراراً من قبل المخربين".
وفي حزيران/يونيو الماضي، تمّ اختراقها من قبل أعضاء جماعة تابعة للاحتلال الإسرائيلي، الذين زُعم أنهم قالوا لحارس الأمن: "نحن نعلم أين تعيش وسوف نقتلك"، كذل هاجمت مجموعة من الكهنة الأرمن، ما أدى إلى نقل أحدهم إلى المستشفى في أيار/ مايو من العام الماضي.
في المقابل، وعلى الرغم من تعسف الاحتلال الاسرائيلي الذي يمنع كما في كل عام المئات منهم من السفر إلى الضفة والقدس، يُحيي المسيحيون في غزة احتفالات الميلاد المجيد بإضاءة شجرة عيد الميلاد.
شخصيات مسيحية في تاريخ فلسطين
كان للمسيحيين أدواراَ مهمة في التاريخ الفلسطيني الحديث، حيث كان منهم القادة والمثقفون والمؤثرون في الحياة العامة. فقد كتب نجيب عازوري في عام 1905 "يقظة الأمة العربية"، ونادى بتأسيس كنيسة عربية وطنية فلسطينية واحدة بعيدا عن الطائفية.
وكان من قادة إضراب فلسطين الشهير عام 1936 العديد من الشخصيات المسيحية الوطنية منهم: عيسى البندك وتوفيق كنعان صاحب كتاب "قضية عرب فلسطين"، الذي حذر فيه من خطر الاستيطان والهجرة اليهودية، في حين أصدر نجيب نصار كتابه "الصهيونية" وخطرها على مستقبل فلسطين.
وقامت القيادات المسيحية ورؤساء الكنائس بإصدار بيانات المناصرة لانتفاضة الفلسطينيين عام 1987. كما حصل في حصار كنيسة بيت لحم التي تحصّن بها المقاومون الفلسطينيون إبان الانتفاضة الثانية عام 2022.
كما ساهموا بتأسيس الصحف العاملة لفلسطين منها: جريدة الكرمل التي أسسها نجيب نصار عام 1911م، وصحيفة فلسطين التي قام بإنشائها عيسى العيسى عام 1911م، وصحيفة الدستور التي أطلقها خليل السكاكيني عام 1911م.
وكان دور رئيسي للمسيحيين في تأسيس المجلس الإسلامي المسيحي، الذي كان اللبنة الأولى لما يعرف باسم "البرلمان الفلسطيني"، الذي عُقد للمرة الأولى عام 1919م، وكان خليل السكاكيني وهو مسيحي فلسطيني مقدسي من أهم أعضائه.
وشاركت شخصيات مسيحية في بناء اللبنات الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة، ومنهم: جورج حبش ووديع حداد ونايف حواتمة وكمال ناصر. بالإضافة إلى بروز ثلة من الأدباء والمفكرين أبرزهم: إدوارد سعيد وخليل السكاكيني وإيميل حبيبي.
ومن الشخصيات الحاضرة في الميداني حاليا البطريرك ميشيل صباح الذي كان أول بطريرك فلسطيني للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية في فلسطين، والأب المطران عطالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس، والأب مانويل مسلّم عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات راعي كنيسة اللاتين في غزة سابقاً.