الأسرى المرضى إهمال طبي وقوانين مغيّبة

الأسرى المرضى إهمال طبي وقوانين مغيّبة

يستمر الاحتلال الإسرائيلي في ممارسة سياسته في الإهمال الطبي للأسرى المرضى والتعامل معهم كأسرى طبيعيين من حيث التعذيب وفرض العقوبات دون مراعاة لأوضاعهم الصحية، وذلك في تعمد منه لمفاقمة معاناتهم داخل السجون.

ويعاني الأسرى في سجون الاحتلال من أنواع مختلفة من الأمراض منها المزمنة والحالات الصعبة والخطيرة التي تهدد حياة الكثير منهم، وعلى الرغم من ذلك يواجه هؤلاء الأسرى إهمالاً طبياً والذي يعتبر قتلاً بطيءً حيث لا يوفر لهم العلاج اللازم ويترك الأسير حتى تتدهور صحته ثم إما أن يستشهد داخل السجون أو يتم الإفراج عنه ويبقى يعاني من الأمراض.

الأسرى المرضى في أرقام

أكد الناطق باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين حسن عبد ربه أنه يوجد في سجون الاحتلال نحو 550 حالة مرضية يعانون من مشاكل صحية عدة بينهم 200 حالة مرضية هي الأكثر صعوبة، ومنهم 10 أسرى يعيشون حالة من الصراع المستمر في أورام سرطانية مختلفة.

وأضاف في حوار خاص له مع "فلسطينيو الخارج" أن نحو 15 أسيراً يقبعون بشكل دائم تقريباً داخل ما يسمى بعيادة سجن الرملة من بينهم الأسرى "معتصم رداد، ومنصور موقدة، وناهض الأقرع، ومحمد براش، ورياض العمور، وياسر ربايعة، وأيضاً موفق عروق (78 عاماً) والذي يعاني من السرطان ومشاكل صحية عدة وأمضى نحو 20عاماً في الأسر، وأيضاً الأسير اللواء فؤاد الشوبكي والذي تجاوز الـ80 عاماً من العمر، وناصر أبو حميد الذي يعاني من وجود كتلة في الرئتين ولم يتم تشخيص حالته الصحية بشكل دقيق، بالإضافة إلى بعض الأسيرات وأبرزهن الأسيرة إسراء الجعابيص التي تعاني من حروق بلغت نحو 60% من جسدها وهي بحاجة إلى 8 عمليات جراحية وتجميلية."

وبيّن عبد ربه أن هناك نحو 75 شهيداً ارتقوا بسبب الإهمال الطبي المتعمد من أصل 226 شهيداً ارتقوا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وأشار إلى أبرز الأمراض التي يعاني منها الأسرى، فمنهم من يعاني من مشاكل في القلب ويعيش من خلال منظم لدقات القلب، ومنهم من يعيش بأمراض أخرى كالفشل الكلوي، والربو وضيق التنفس ومشاكل شلل وإعاقات سمعية وبصرية داخل السجون وحالات بتر للأطراف.

أوضاع مأساوية تواجههم

فيما يتعلق بأوضاع الأسرى المرضى داخل سجون الاحتلال وتعامل مصلحة السجون معهم قال عبد ربه إن "الأسرى المرضى داخل سجون الاحتلال يواجهون أوضاعاً مأساوية من حيث سياسة الإهمال الطبي والتي هي بمثابة قتل بطيء لهم، وعدم التعامل معهم بشكل مميز أو خاص مراعاة لظروفهم الصحية القاهرة، بل إنهم يتعرضون للتنكيل والإيذاء، والقمع، وسوء المعاملة كبقية الأسرى."

وتابع "عندما يتم تعريض الأسرى لاقتحامات وتنكيل أو قمعهم ورشهم بالغاز وفرض عقوبات بحقهم، فهي تطال الأسرى المرضى الذين تكون معاناتهم في هذه الأجواء أكثر صعوبة وأكثر خطورة على صحتهم وسلامة حياتهم."

وأوضح أن الإهمال الطبي يتمثل في عدم إجراء الفحوصات الدورية الحقيقية للأسرى داخل السجون مما يفاقم من الحالات المرضية ويجعل الأمراض مستشرية أكثر بحيث تتمكن من جسم الأسير، وأيضاً لا يتم تشخيص الحالة الصحية للأسير بشكل دقيق في الوقت المناسب، كما أنه لا يتم إجراء الفحوصات بالسرعة اللازمة من تحاليل وصور أشعة.

وأفاد عبد ربه بأنه لا يمنح الأسير المريض العلاجات الطبية الحقيقية اللازمة له من أجل إشفائه من الحالة المرضية بشكل كامل سوى بعض الأدوية البسيطة أو المسكنات التي لا تساعد على علاجه من المرض، عدا عن المماطلة في نقل المرضى إلى "المشافي الإسرائيلي المدنية" ليتسنى بالفعل تقديم العلاجات وفق ما هو مطلوب لهم وتقتصر في كثير من الحالات على النقل إما إلى عيادة السجن ذاته أو في أحسن الأحوال إلى ما يعرف بعيادة سجن الرملة.

وبيّن أن عشرات الأسرى يرفضون الذهاب إلى عيادة سجن الرملة بسبب رحلة العذاب التي يعيشونها خلال نقلهم في سيارات "البوسطة" (سيارات عسكرية تنقل الأسرى للسجون) مما يفاقم وضعهم، وبسبب سوء المعاملة والظروف القاهرة والقاسية التي يوضعون بها، ولعدم قناعتهم بطبيعة العلاج المقدم في عيادة سجن الرملة.

وأكد عبد ربه في حديثه لـ"فلسطينيو الخارج" أن إدارة مصلحة السجون تتعمد زيادة الضغط على الأسرى المرضى داخل السجون من خلال الإهمال الطبي المتعمد، مما دفع الكثير من الأسرى لخوض إضراب مفتوح عن الطعام، وأحياناً أخرى رفض الحصول على الأدوية المقدمة لهم على اعتبار أنها لا تساعد على شفائهم.

واعتبرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ملف الأسرى المرضى من أكثر الملفات صعوبة وألماً نظراً لأن الأسير المريض يعاني من آلام السجن بالإضافة إلى آلام المرض.

وطالبت بضرورة تظافر كافة الجهود لإنقاذ الأسرى المرضى من معاناتهم والتخفيف منها، من خلال الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، عبر المؤسسات الحقوقية والإنسانية والدولية التابعة للأمم المتحدة ومن ضمنها الدول الموقعة على اتفاقيات جينيف، والجمعية العامة للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة، وأيضاً مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمفوض السامي لقضايا حقوق الإنسان.

وشددت أيضاً على أهمية دور منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكدة أن كل هذه المؤسسات تقع على عاتقها مسئولية أخلاقية وقانونية وإنسانية في الدفاع عن القيم التي شرعها المجتمع الدولي في حماية حياة وصحة الأسرى داخل السجون.

الأسرى المرضى قانونياً

على الرغم من وجود العديد من القوانين التي تلزم الاحتلال بتوفير العلاجات الطبية والرعاية الصحية اللازمة للأسرى المرضى وأبرزها اتفاقيات جينيف الثالثة والرابعة والتي تتناول موضوع الأسرى والمعتقلين وأسرى الحرب وأيضاً حماية المدنيين الذين يتم اعتقالهم أثناء الحرب إلا أن الاحتلال يتعمد خرق كافة القوانين والمواثيق التي تنص على حماية الأسرى.

وفي هذا الجانب قال الناطق باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين حسن عبد ربه لـ"فلسطينيو الخارج"؛ إن "سلطات الاحتلال باعتبارها جهة آسرة ومحتجزة للمعتقلين عليها أن تقدم الفحوصات الطبية الدورية والأدوية والعلاجات بما في ذلك العمليات الجراحية وحتى علاج الأسنان والعيون وكذلك توفير الأطراف الصناعية."

وأضاف أن "الجانب القانوني في هذه القضية واضح وصريح من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وكلها مجموعة قوانين وقيم أخلاقية شرعها المجتمع الدولي."

كما أشار إلى أنه لدى هيئة شؤون الأسرى تواصل دائم مع لجنة الصليب الأحمر ومع منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص ولكن الاحتلال الإسرائيلي يرفض السماح لأي لجنة طبية محايدة حتى وإن كانت من منظمة الصحة العالمية بالدخول إلى داخل السجون للإشراف على علاج الحالات المرضية للأسرى.

وأكد عبد ربه أن غياب الحراك الدولي والتدخل الرادع للاحتلال هو الذي يجعله يمعن في سياسة الإهمال الطبي. مشيراً لعدم وجود تدخلاً حقيقياً وجاداً من المجتمع الدولي في الضغط على سلطات الاحتلال فيما يتعلق بالأسرى المرضى.

وأوضح أن الهامش الذي يتم التعامل به في بعض الحالات النادرة هو التقدم بطلب التماس لمحاكم الاحتلال العسكرية في بعض الحالات الخاصة مثل حالات الأورام السرطانية ووفق تقاريرهم الطبية الصادرة عن مشافي "إسرائيلية" بأنهم شارفوا على الموت قد يتم الموافقة على الإفراج عنهم.

أبرز شهداء الحركة الأسيرة

أفاد عبد ربه بأن السنوات القليلة الماضية شهدت ارتفاعاً ملموساً في أعداد الأسرى الذين ارتقوا شهداء داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي بسبب سياسة الاهمال الطبي.

ومن أبرزهم "كمال أبو وعر، وسامي أبودياك، وسعد الغرابلي، وفارس بارود، وداهود الخطيب، وأيضاً نصار طقاطقة، وكذلك الأسير المريض الذي كان يعاني من السرطان بسام السايح، ومؤخراً الأسير المحرر حسين مسالمة والذي أفرج عنه بجهود قانونية بعد 18 عاماً من الأسر وارتقى شهيداً قبل عدة أيام في بيت لحم بعد أن عانى من وجود السرطان في الدم لديه وعانى من سياسة الإهمال الطبي المتعمد.

حراكات دولية داعمة للأسرى

انتشرت مؤخراً فعاليات داعمة للأسرى تمثلت بمسيرات ووقفات أمام سفارات ومؤسسات دولية تنديداً بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأسرى، في مدن أوروبية مختلفة.

ومن أبرز الحراكات التي خرجت في أوروبا "وقفة أمام السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين، ووقفة تضامنية لأعضاء الحملة العالمية للعودة لفلسطين قرب المفوضية الأوروبية في بروكسل، ومعرض صور تضامني مع الأسرى أمام البرلمان الهولندي في مدينة لاهاي، بالإضافة إلى مسيرة في مدينة ميلانو في إيطاليا، ووقفة أمام البرلمان الدنماركي، وأخرى احتجاجية في مدينتي برلين و كولن بألمانيا، وتظاهرة أمام سفارة الاحتلال في مدينة بوسطن في أميركا، وأيضاً تظاهرة في إيرلندا.

وعلى الرغم من ذلك ما زال الاحتلال الإسرائيلي يواصل انتهاكاته المختلفة ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونه.